فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}.
ثم حكى سبحانه سفر ذي القرنين إلى ناحية أخرى، وهي ناحية القطر الشمالي بعد تهيئة أسبابه فقال: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي: طريقًا ثالثًا معترضًا بين المشرق والمغرب {حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص، وابن محيصن، ويحيى اليزيدي، وأبو زيد، عن المفضل بفتح السين.
وقرأ الباقون بضمها، قال أبو عبيدة وابن الأنباري وأبو عمرو بن العلاء: السد إن كان بخلق الله سبحانه فهو بضم السين حتى يكون بمعنى مفعول، أي: هو مما فعله الله وخلقه، وإن كان من عمل العباد فهو بالفتح حتى يكون حدثًا.
وقال ابن الأعرابي: كل ما قابلك فسدّ ما وراءه فهو سدّ وسد نحو الضعف والضعف، والفقر والفقر، والسدّان هما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان، وانتصاب {بين} على أنه مفعول به كما ارتفع بالفاعلية في قوله: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94].
وقيل: موضع بين السدّين هو منقطع أرض الترك مما يلي المشرق لا جبلا أرمينية وأذربيجان.
وحكى ابن جرير في تاريخه أن صاحب أذربيجان أيام فتحها وجه إنسانًا من ناحية الجزر فشاهده، ووصف أنه بنيان رفيع وراء خندق وثيق منيع، و{وَجَدَ مِن دُونِهِمَا} أي: من ورائهما مجازًا عنهما، وقيل: أمامهما {قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} قرأ حمزة والكسائي {يفقهون} بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان، أي: لا يبينون لغيرهم كلامًا، وقرأ الباقون بفتح الياء والقاف، أي: لا يفهمون كلام غيرهم، والقراءتان صحيحتان، ومعناهما: لا يفهمون عن غيرهم ولا يفهمون غيرهم، لأنهم لا يعرفون غير لغة أنفسهم.
{قَالُواْ} أي: هؤلاء القوم الذين لا يفهمون قولًا، قيل: إن فهم ذي القرنين لكلامهم من جملة الأسباب التي أعطاه الله، وقيل: إنهم قالوا ذلك لترجمانهم، فقال لذي القرنين بما قالوا له {ياذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ في الأرض} يأجوج ومأجوج: اسمان عجميان بدليل منع صرفهما، وبه قال الأكثر.
وقيل: مشتقان من أجّ الظليم في مشيه: إذا هرول، وتأججت النار: إذا تلهبت، قرأهما الجمهور بغير همز، وقرأ عاصم بالهمز.
قال ابن الأنباري: وجه همزهما وإن لم يعرف له أصل أن العرب قد همزت حروفًا لا يعرف للهمز فيها أصل كقولهم: كبأث ورثأت واستشأث الريح.
قال أبو علي: يجوز أن يكونا عربيين، فمن همز فهو على وزن يفعول مثل: يربوع، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقبلها ألفًا مثل: رأس.
وأما مأجوج، فهو مفعول من أجّ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق.
قال: وترك الصرف فيهما على تقدير كونهما عربيين للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة.
واختلف في نسبهم؛ فقيل: هم من ولد يافث بن نوح، وقيل: يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل والديلم.
وقال كعب الأحبار: احتلم آدم فاختلط ماؤه بالتراب فخلقوا من ذلك الماء.
قال القرطبي: وهذا فيه نظر، لأن الأنبياء لا يحتلمون، وإنما هم من ولد يافث، كذلك قال مقاتل وغيره.
وقد وقع الخلاف في صفتهم؛ فمن الناس من يصفهم بصغر الجثث وقصر القامة، ومنهم من يصفهم بكبر الجثث وطول القامة، ومنهم من يقول: لهم مخالب كمخالب السباع، وإن منهم صنفًا يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى، ولأهل العلم من السلف ومن بعدهم أخبار مختلفة في صفاتهم وأفعالهم.
واختلف في إفسادهم في الأرض؛ فقيل: هو أكل بني آدم؛ وقيل: هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد؛ وقيل: كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء القوم الذين شكوهم إلى ذي القرنين في أيام الربيع فلا يدعون فيها شيئًا أخضر إلا أكلوه.
{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} هذا الاستفهام من باب حسن الأدب مع ذي القرنين. وقرئ: {خراجًا}. قال الأزهري: الخراج يقع على الضريبة ويقع على مال الفيء، ويقع على الجزية وعلى الغلة. والخراج أيضًا اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال، والخرج: المصدر. وقال قطرب: الخرج: الجزية والخراج في الأرض، وقيل: الخرج: ما يخرجه كل أحد من ماله، والخراج: ما يجبيه السلطان؛ وقيل: هما بمعنى واحد {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا} أي: ردمًا حاجزًا بيننا وبينهم وقرئ: {سدًا} بفتح السين. قال الخليل وسيبويه: الضم هو الاسم، والفتح المصدر. وقال الكسائي: الفتح والضم لغتان بمعنى واحد، وقد سبق قريبًا ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة، وابن الأنباري من الفرق بينهما.
وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو سدّ بالضم، وما لا ترى فهو سدّ بالفتح، وقد قدّمنا بيان من قرأ بالفتح وبالضم في السدّين.
{قَالَ مَا مَكَّنّى فِيهِ رَبّى} أي قال لهم ذو القرنين: ما بسطه الله لي من القدرة والملك {خَيْرٌ} من خرجكم، ثم طلب منهم المعاونة له فقال: {فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ} أي: برجال منكم يعملون بأيديهم، أو أعينوني بآلات البناء، أو بمجموعهما. قال الزجاج: بعمل تعملونه معي.
قرأ ابن كثير وحده: {ما مكنني} بنونين، وقرأ الباقون بنون واحدة.
{أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} هذا جواب الأمر، والردم: ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل.
قال الهروي: يقال: ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردمًا: أي سددتها، والردم أيضًا الاسم، وهو السدّ، وقيل: الردم أبلغ من السدّ، إذ السدّ كل ما يسدّ به، والردم: وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوهما حتى يقوم من ذلك حجاب منيع، ومنه ردم ثوبه: إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض، ومنه قول عنترة:
هل غادر الشعراء من متردّم

أي: من قول يركب بعضه على بعض.
{آتوني زُبَرَ الحديد} أي: أعطوني وناولوني، وزبر الحديد: جمع زبرة، وهي القطعة.
قال الخليل: الزبرة من الحديد: القطعة الضخمة.
قال الفراء: معنى {آتوني زُبَرَ الحديد} ائتوني بها فلما ألقيت الياء زيدت ألفًا، وعلى هذا فانتصاب {زبر} بنزع الخافض {حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين} والصدفان: جانبا الجبل.
قال الأزهري: يقال لجانبي الجبل صدفان: إذا تحاذيا لتصادفهما أي: تلاقيهما، وكذا قال أبو عبيدة والهروي.
قال الشاعر:
كلا الصدفين ينفده سناها ** توقد مثل مصباح الظلام

وقد يقال: لكل بناء عظيم مرتفع: صدف، قاله أبو عبيدة.
قرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص: {الصدفين} بفتح الصاد والدال.
وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، ويعقوب، واليزيدي، وابن محيصن بضم الصاد والدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بضم الصاد وسكون الدال.
وقرأ ابن الماجشون بفتح الصاد وضم الدال، واختار القراءة الأولى أبو عبيد لأنها أشهر اللغات.
ومعنى الآية: أنهم أعطوه زبر الحديد، فجعل يبني بها بين الجبلين حتى ساواهما {قَالَ انفخوا} أي قال للعملة: انفخوا على هذه الزبر بالكيران {حتى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} أي: جعل ذلك المنفوخ فيه، وهو الزبر نارًا، أي: كالنار في حرّها وإسناد الجعل إلى ذي القرنين مجاز لكونه الآمر بالنفخ.
قيل: كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة ثم يوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى يتحمى، والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار، ثم يؤتى بالنحاس المذاب فيفرغه على تلك الطاقة، وهو معنى قوله: {قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} قال أهل اللغة: القطر: النحاس الذائب، والإفراغ: الصبّ، وكذا قال أكثر المفسرين.
وقالت طائفة: القطر الحديد المذاب.
وقالت فرقة أخرى منهم ابن الأنباري: هو الرصاص المذاب.
{فَمَا اسطاعوا} أصله: استطاعوا، فلما اجتمع المتقاربان، وهما التاء والطاء خففوا بالحذف.
قال ابن السكيت: يقال: ما أستطيع، وما أسطيع، وما أستيع.
وبالتخفيف قرأ الجمهور، وقرأ حمزة وحده {فما اسطاعوا} بتشديد الطاء كأنه أراد استطاعوا فأدغم التاء في الطاء وهي قراءة ضعيفة الوجه، قال أبو علي الفارسي: هي غير جائزة.
وقرأ الأعمش {فما استطاعوا} على الأصل، ومعنى {أَن يَظْهَرُوهُ} أن يعلوه أي: فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا على ذلك الردم لارتفاعه وملاسته {وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا} يقال: نقبت الحائط: إذا خرقت فيه خرقًا فخلص إلى ما وراءه.
قال الزجاج: ما قدروا أن يعلوا عليه لارتفاعه وانملاسه، وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لشدّته وصلابته.
{قَالَ هذا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى} أي: قال ذو القرنين مشيرًا إلى السدّ: هذا السدّ رحمة من ربي، أي: أثر من آثار رحمته لهؤلاء المتجاوزين للسدّ ولمن خلفهم ممن يخشى عليه معرتهم لو لم يكن ذلك السد؛ وقيل: الإشارة إلى التمكين من بنائه {فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى} أي: أجل ربي أن يخرجوا منه، وقيل: هو مصدر بمعنى المفعول، وهو يوم القيامة {جَعَلَهُ دَكَّاء} أي: مستويًا بالأرض ومنه قوله: {حتى إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكًّا} [الفجر: 21].
قال الترمذي: أي مستويًا، يقال ناقة دكاء: إذا ذهب سنامها. وقال القتيبي: أي جعله مدكوكًا ملصقًا بالأرض. وقال الحليمي: قطعًا متكسرًا.
قال الشاعر:
هل غير غار دك غارًا فانهدم

قال الأزهري: دككته، أي: دققته.
ومن قرأ: {دكاء} بالمد وهو عاصم وحمزة والكسائي أراد التشبيه بالناقة الدكاء، وهي التي لا سنام لها، أي: مثل دكاء، لأن السدّ مذكر فلا يوصف بدكاء.
وقرأ الباقون {دكًا} بالتنوين على أنه مصدر، ومعناه ما تقدّم، ويجوز أن يكون مصدرًا بمعنى الحال، أي: مدكوكًا {وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقًّا} أي: وعده بالثواب والعقاب، أو الوعد المعهود حقًا ثابتًا لا يتخلف. وهذا أخر قول ذي القرنين.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} قال: الجبلين أرمينية وأذربيجان.
وأخرج أيضًا عن ابن جريج {لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} قال: الترك.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم صححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: يأجوج ومأجوج شبر وشبران وأطولهم ثلاثة أشبار؛ وهم من ولد آدم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا، وإن من ورائهم ثلاث أمم: تاويل، وتاريس، ومنسك» وأخرج النسائي من حديث عمرو بن أوس عن أبيه مرفوعًا: «أنه لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا» وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض يحفرون السدّ كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستفتحونه غدًا، فيعودون إليه أشدّ ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستفتحونه غدًا إن شاء الله، ويستثنى فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه. ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون: قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسرًا وعلوًا، فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالذي نفس محمد بيده إن دوابّ الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرًا من لحومهم» وقد ثبت في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمرّ وجهه وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق، قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث» وأخرجا نحوه من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} قال: أجرًا عظيمًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: {رَدْمًا} قال: هو كأشد الحجاب.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {زُبَرَ الحديد} قال: قطع الحديد.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه {بَيْنَ الصدفين} قال: الجبلين.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: رؤوس الجبلين.
وأخرج هؤلاء عن ابن عباس في قوله: {قِطْرًا} قال: النحاس.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة {فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ} قال: أن يرتقوه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: أن يعلوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {جَعَلَهُ دَكَّاء} قال: لا أدري الجبلين يعني به أم بينهما. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97]، للسائل أن يسأل عن الفرق الموجب لمجيء استطاعوا بالتاء دون الأول؟
والجواب أنه يقال: أستطاع واستاع واسطاع، والأول الأصل، ثم يحذفون أحد الحرفين تخفيفًا، فجيء أولًا بالفعل مخففًا عند إرادة نفي قدرتهم على الظهور على السدّ والصعود فوقه، ثم جيء بأصل الفعل مستوفى الحروف عند نفي قدرتهم على نقبه وخرقه، ولا شك أن الظهور أيسر من النقب، والنقب أشد عليهم وأثقل، فجيء بالفعل مخففًا مع الأخف، وجيء به تامًا مستوفى مع الأثقل، فتناسب، ولو قدر بالعكس لما تناسب. وأيضًا فإن الثاني في محل التأكيد لنفي قدرتهم على الاستيلاء على السد وتمكنهم منه، فناسب ذلك الإطالة، وهذا يفتقر إلى بسط وبيان، مع أن الأول أولى، فلنكتف بهذا، والله سبحانه أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}.
استعان بهم في الذي احتاج إليه منهم من الإمداد بما قال: {ءَاتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ} فلمَّا فعلوا ما أمرهم به، ونفخوا فيه النار جعل السد بين الصدفين أي جانبي الجبل. ثم أخبر أنه إنما يبقى ذلك إلى أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ له في الخروج، وتندفعَ عن الناس عادية... إلى الوقت المضروب لهم في التقدير. وبعد ذلك يكون مِنْ شأنهم ما يريد الله. وبيَّنَ- سبحانه- أَنَّ خروجَهم من وراء سَدِّهم مِنْ أشراط الساعة. اهـ.